حلاق شرق أوسطي وملايين: قضية تبييض أموال في كوبنهاجن

سيارة شرطة دنماركية أمام صالون حلاقة في كوبنهاجن – ترمز لقضية تبييض أموال
قضية حلاق شرق أوسطي تم ضبط مبالغ نقدية ضخمة في صالونه بنوربرو – كوبنهاجن

لم يكن صالون الحلاقة الواقع في نوربرو يوحي بشيء غير عادي. حلاق من أصول شرق أوسطية، زبائن يدخلون ويخرجون، وحيّ يعرف بتنوعه وهدوئه وكثرة مهاجريه.

لكن كل ذلك تغيّر حين اكتشفت السلطات أن الصالون كان واجهة لواحدة من أكبر عمليات تبييض الأموال في كوبنهاجن خلال السنوات الأخيرة. القصة بدأت من حقيبة ظهر، وانتهت بحكم بالسجن وغرامة تقترب من 30 مليون كرون.

وقبل أن نخوض في التفاصيل، دعني أخبرك – من واقع متابعة وخبرة مختارية خالصة – أن صالونات الحلاقة في الدنمارك كلها، بلا استثناء، تحت المجهر. فالتعامل بالنقد فيها شائع، والتصريح بالمداخيل أمر شبه ضائع..

والآن، إلى التفاصيل…ونقول يا هادي

وشاية صديق تفضح المستور

اي والله مثلما سمعت.. وشاية صديق أوصلت الشرطة إلى الحلاق.
وهنا لا أعرف، هل كانت من حرص الواشي أم غيرة وحسد عيشة؟
المهم، بعد هذه الوشاية تأكدت الشرطة أن شيئاً آخر غير غسيل الشعر كان يحدث داخل صالون الحلاقة في نوربرو.

عندما داهمته في أحد أيام سبتمبر من عام 2021.. نعم، مثلما سمعت: عام 2021.
لكن الإعلام تطرق للقضية اليوم، الخميس.. وستعرف السبب بعد قليل.

الشرطة وجدت حقيبة ظهر في الصالون تحتوي على 578,000 كرونة نقداً،
ومن خلال تفتيش الصالون، عثرت أيضاً على مبلغ 400 ألف كرون نقداً داخل كيس قماش من لويس فويتون.
يعني مبلغ مثل هذا يستحق أن يُوضع في كيس ثمين كذلك.

وليس هذا فقط، فكانت هناك رزم من فئتي 500 و1000 كرون
كما تم العثور على مبالغ كبيرة في إحدى السيارات.
موزعهن الأخ بانسيابية وعدالة، يعني ماخذ احتياطاته، الله يسلمه

غرامة بملايين الكرونات

يوم أمس الأربعاء، صدر الحكم بحق صاحبنا الحلاق، البالغ من العمر 43 عامًا، بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة تبييض الأموال الجسيم.
كما فُرضت عليه غرامة مالية قدرها حوالي 29 مليون كرونة دنماركية، وهو المبلغ الذي تم تبييضه عبر صالونه.

الغرامة كانت موزعة على 23.6 مليون كرونة، بالإضافة إلى 704,235 يورو – ما يعادل نحو 5.2 مليون كرونة إضافية، بحسب ما أفادت به المحكمة لوسائل الاعلام.

الحلاق، طبعًا، لم يسكت. دافع عن نفسه بكل ما يستطيع، موضحًا للمحكمة أن الزبائن يدفعون نقدًا، وأنه لم يودع تلك الأموال في البنك لأنه يعرف أن البنك سيرفضها.

وأضاف أيضًا، بكل ثقة، أن جزءًا من هذه المبالغ كان مخصصًا لافتتاح مطعم بيتزا.

أي والله مثل ما سمعت… لو كان ابني موسى – اللي عمره 9 سنوات – هو من اخترع الكذبة، كانت ستكون أذكى واكثر حبكة من كذبة الحلاق الله يسلمه.

المحكمة، طبعًا، لم تقتنع بتفسيراته.
وقالت له ضمنيا: حتى لو حلقت لكل سكان الدنمارك ذهابًا وإيابًا، فلن تجمع مثل هذه المبالغ الطائلة..

وصل الى الدنمارك منذ 15 سنة

بعد أن تعرّفنا سويًا على تفاصيل الحكم الصادر بحق الحلاق الأربعيني
من المؤكد أن الفضول بدأ يتحرك بداخلك… من أين هذا الحلاق؟ وما أصله؟ هل هو مهاجر جديد أم من المحاربين القدامى؟

هذا الحلاق، حفظك الله، وصل إلى الدنمارك قبل خمس عشرة سنة، قادمًا من سوريا.
وبدأ حياته المهنية في صالون الحلاقة، حيث عمل فيه أولًا كموظف،
ثم أصبح لاحقًا مديرًا ومسؤولًا عنه.

وإذا عدنا إلى بيانات الضرائب الرسمية، فسنجد أن دخله المصرّح به في عام 2021 لم يتجاوز 125,000 كرونة دنماركية فقط.

أما السبب؟
فكما قال بنفسه في المحكمة: لم يُبلّغ عن المدفوعات النقدية إطلاقًا،
واكتفى بالإبلاغ فقط عن المدفوعات التي تلقاها عبر MobilePay وبطاقات الدفع،
ودفع عنها ضريبة القيمة المضافة، وكأن الأمور تسير على ما يرام!

حوّل الأموال إلى الخارج

بحسب ما ورد في المحكمة، فقد أقر الحلاق بأنه ارتكب خطأ حين امتنع عن الإبلاغ عن المدفوعات النقدية التي تلقاها داخل الصالون.

كما أوضح أنه كان يقوم بتحويل الأموال إلى عائلته في سوريا، وذلك من خلال تسليمها لأشخاص آخرين كانوا يتولّون إرسالها بطرقهم الخاصة.

كان يعلم جيدًا أنها عملية تبييض أموال

أقرّ حلاقنا هذا، خلال جلسات المحكمة، بأنه كان يعلم جيدًا أن إرسال الأموال إلى سوريا بهذه الطريقة، خارج نظام التحويل القانوني والرسمي، يُعد تبييضًا للأموال.

وأحبّ أن أذكّر هنا أنني في أحد الفيديوهات على قناتي في يوتيوب، كنت قد نشرتُ سابقًا مادة عن شاب سوري جندته جهة إعلامية، قام بكشف عدد من صالونات الحلاقة ومحلات بيع الذهب في كوبنهاجن وآرهوس، التي تتورط بعمليات مشابهة.

🔗 يمكنك ان تجد الفيديو على قناتي من خلال الضغط هنا: قناتي على اليوتويب


ملاحظة حول هوية الحلاق

حتى الآن، لا يُعرف عن الحلاق سوى سنه وجنسيته، وذلك بسبب حظر نشر الاسم الذي فرضته المحكمة.

ولا يُعلم بعد إن كان هذا الحظر سيظل ساريًا في حال استئناف القضية أم لا.

وعلى كل حال، لن أتطرق إلى اسمه الكامل حتى لو تم نشره لاحقًا عبر وسائل الإعلام، لأن الهدف من كتابة هذا المقال هو نقل الخبر والتوعية، وليس التشهير أو الإثارة.

في الختام… الكاش لم يعد بريئًا

قصتنا اليوم ليست مجرد حكاية عن حلاق ومبلغ ضخم داخل حقيبة،
بل هي قصة عن ثغرات لا تزال قائمة، وعن أنظمة رقابية قد تغفل أحيانًا، لكنها لا تنام طويلًا.

نعيش في زمنٍ صارت فيه الدفعة النقدية تُثير الشبهات أكثر مما تُسهل المعاملات.

الحلاق خرج بحكم، وغرامة ثقيلة، وسمعة يصعب محوها.
لكن السؤال الأهم الذي يبقى معلّقًا:
كم من “صالون آخر” لا يزال تحت الرقابة؟

📖 اقرأ أيضًا في المدونة:

🔹 رفض الجنسية الدنماركية لتيم غريغز بسبب مخالفة مرورية
🔹 قضية الفتاتين في آرهوس: شقة، مخدرات، وموت غامض
🔹 انخفاض مبيعات السجائر في الدنمارك: هل هو تراجع حقيقي؟

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة

About Me

About Me

مدونة خاصة انقل فيها تجاربي ووجهات نظري الشخصية وفيها عن الدنمارك وأحوال مجتمعها الصغير.. . المزيد من الحكايا اليومية تجدها على حساباتي على مواقع التواصل الإجتماعي لذلك لاتفوت المتابعة يالطيب.