تغيرت الجغرافيا ولم يتغير الفساد..وزيرة الدنمارك مثالاً

كثيراً ما تقابلني جملة من هذا النوع:
“هؤلاء يحكمهم ساسة شرفاء، وليس مثلنا.”

غالباً ما يُقال هذا الكلام، أثناء النقاش عن الوضع في العراق ومقارنته بالدنمارك.
وطبعاً لا أنكر أن هناك فرقاً كبيراً بين النظام السياسي الديمقراطي الراسخ في الدنمارك،
وبين العراق، الدولة الناشئة ديمقراطياً بعد عقود طويلة من حكم الحزب الواحد.

لكن ما لا أقوله للطرف المقابل – تجنباً للنقاش العقيم وإهدار الوقت والطاقة –
هو أنَّه وإن تغيّرت الجغرافيا والأشخاص، فإن الفساد واحد وموجود في كل مكان

أعترف كمواطن قادم من بلاد الرافدين
أن في العراق فساداً قد يكون متجذّراً في معظم مفاصل الدولة،
من أصغر دائرة إلى أعلى سلطة.
هناك استغلال للمناصب، واختلاسات، وهدر للمال العام،
ومحسوبية وطائفية تنخر جسد الدولة.
الأمر مؤسف ومحزن وصعب
لكننا لا نفقد الأمل أن يتعافى حال العراق تدريجياً،
وأن يُبنى نظام نزيه يضع مصلحة المواطن أولاً
ولا يكون أداة في اي أجندات خارجية.
وهنا انا قطعت الطريق، لكل من سيحاول ان يقول
تكلم على العراق واحواله قبل ان تنتقد ساسة الدنمارك..

أما هنا في الدنمارك، فالأمر ليس مثالياً تماماً كما يُظَن.
نعم، هناك قانون، ومؤسسات، ورقابة،
لكن الفساد موجود أيضاً، وإن كان بدرجات مختلفة.
فلا يمر وقت طويل حتى نسمع خبراً عن إساءة استغلال للمنصب
أو تبديدٍ لأموال دافعي الضرائب،
من أعلى المناصب السياسية في البلاد.

ومن أحدث الأمثلة على ذلك،
قضية وزيرة الاقتصاد الدنماركية ستيفاني لوسه،
التي أثارت جدلاً اليوم بعد الكشف عن رحلة رسمية باهظة التكاليف على حساب أموال الدولة.


رحلة ستيفاني لوسه إلى جنوب أفريقيا

في شهر يوليو الماضي، سافرت ستيفاني لوسه إلى جوهانسبيرغ في جنوب أفريقيا
للمشاركة في اجتماعات مجموعة العشرين،
بصفتها ممثلة لوزراء الاقتصاد والمالية في الاتحاد الأوروبي.
الرحلة استغرقت ثلاثة أيام فقط،
لكن سعر تذكرة الطيران وحدها بلغ أربعة وتسعين ألف كرونة دنماركية.

السبب هو أن وزيرة الاقتصاد الدنماركية ستيفاني لوسه
سافرت على أفضل درجة في شركة الطيران KLM،
وهي درجة “World Business Class” الفاخرة،
التي تقدّم للركاب مشروب شمبانيا فاخر،
وقائمة طعام مكوّنة من ثلاث وجبات تُقدَّم على البورسلان،
ومقاعد يمكن إمالتها بالكامل للنوم المريح.

حتى الطعام المقدم على هذه التذكرة أعدَّه مطعم هولندي شهير،
وهو المطعم الهولندي الوحيد الحاصل على نجوم ميشلان.
وليس هذا فحسب،
بل يتلقى الركّاب زجاجة من مشروب الجن على شكل منزل هولندي مصغّر
كعربون شكر من شركة الطيران.
يعني (لاتكولي ولا اكولك)
كانت الرحلة فاخرة بحيث لم ينقصها
سوى جاريتان اثنتان تهفان عليها بريش الطاووس.


ولولا أن الأخت وزيرة والتكاليف مدفوعة
لكانت تحلم أن تسافر على مثل هذه الرحلة من حسابها الخاص يوماً ما.


الانتقادات الموجهة إلى وزيرة الاقتصاد الدنماركية

هذه التفاصيل لم تمر مرور الكرام.
فقد عبّر النائب بيتر فِلبْلُوم، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب القائمة الموحدة( الذي انصحك بإنتخابه)
عن صدمته مما حدث، وقال إن من الغريب أن تأتي وزيرة من حزب
يقدّم نفسه كمسؤول وحريص على المال العام،
ثم تُنفق أموال دافعي الضرائب بهذه الطريقة اللامبالية.

واعتبر أن هذا تصرف صادم ومنافٍ للمسؤولية،
مشيراً إلى أنه كان يمكن شراء التذكرة نفسها بسعر لا يتجاوز ستة آلاف كرونة،
لكن ستيفاني لوسه فضّلت أن يدفع الدنماركيون ثمن الشمبانيا ووجبة الثلاثة أطباق.

المصدر: القناة الثانية الدنماركية


موقف الوزيرة وحزبها

أما وزيرة الاقتصاد الدنماركية ستيفاني لوسه فقد رفضت التعليق على القضية
أو الإجابة على ما إذا كانت تكلفة الرحلة مبرَّرة،
واكتفت بالقول إن الحجز تم عبر النظام الحكومي المعتمد ووفقاً للإرشادات الخاصة بسفر الوزراء.

أما حزبها، حزب فينستره،
فقد بدأ بمحاولة صرف الأنظار عن القضية من خلال فتح نقاشات جديدة تشغل الرأي العام.
ومن يدري، ربما يختار الحزب التركيز على قضايا المهاجرين
أو حتى على دبابيس حجاب المهاجرات
بدلاً من الحديث عن هدر المال العام في قضية الوزيرة.

سواء هناك أو هنا،
يتبدّل المشهد وتتغيّر الوجوه،
لكن يبدو أن الفساد، مهما تلثم بالقوانين أو بالشعارات،
يبقى هو الفساد.. وان تغيرت الجغرافيا

ها والأهم
فان التركيز على قضايا الأجانب والمهاجرين ليس بريئاً دائماً،
بل هو في الغالب خطوة مدروسة للتغطية على قضايا أكبر
يقوم بها من يدّعي العفة والنزاهة.

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة

About Me

About Me

مدونة خاصة انقل فيها تجاربي ووجهات نظري الشخصية وفيها عن الدنمارك وأحوال مجتمعها الصغير.. . المزيد من الحكايا اليومية تجدها على حساباتي على مواقع التواصل الإجتماعي لذلك لاتفوت المتابعة يالطيب.